الاثنين، 27 فبراير 2017

بَسْ...... جبت الغايبة !




مررتُ ذاتَ يومٍ بجوارِ منزلِ جارِنا فوجدتُ ابنهُ أحمدَ يُمسكُ بِحبلٍ ويُدليه في حفرةٍ عميقةٍ من حفرِ الصرفِ الصحي ـــ أجلكم الله ـــ أسرعتُ نحوه والأفكار السيئة تتلاطمُ في رأسِي فصحت : ماذا هناك يا أحمد ؟ فقال بلهجةٍ عاميةٍ : " كورتي طاحت بالحفرة وابغاها تطلع" !
كان يَظُنُّ بأنَّ الكرةَ ستُمْسِكُ بالحبلِ أو أنَّ الحبلَ سيلتَفُّ حَوْلها ليعقد عُقدَهُ عليها ويشدّ وِثَاقَهَا فكان هذا أغبى حلٍّ سمعته في حياتي إلاَّ أنَّه لم يعدْ كذلك فقد استطاعَ أحدُهُمْ قَبْلَ أيامٍ أنْ ينافسَ أحمد في حلِّه العبقري وجاءَ بالغايبة كما نقول. فقد خرج علينا أحد مسؤولي تعليم صبيا بحلّ لمشكلةِ نَقْصِ المعلمات وسَدِّ عجزِ التعليم وذلك بِطَلَبِ خريجاتٍ للعملِ بدونِ راتبٍ واشترطَ هذا الفهلوي حكيم زمانه عدم مطالبتهنَّ بأيِّ مبلغٍ مالي أو ترسيم مستقبلاً ـــ يعني موت وخراب ديار ـــ ثم اختتم حديثه بلهجةٍ الغني البخيل الذي يمنُّ على فقيرٍ استظلَ بظلِّ جِداره فقال: " سنمنحهنّ الخبرةَ ونشغل أوقات فراغهنّ" وكأنّ مجرد قبولهن مكرمة تُقَبَّلُ من أجلها الأيادي!
كنت أتمنى لو أن هذا المسؤول قدم درسًا لنا في التضحيةِ والتفاني وقرّر العملَ بنصفِ راتبه ولن  أقول بكل الراتب فهل كان سيقبل ؟ أم أنه سيسرد الأحاديث التي تحث على إعطاء الأجير أجره؟

حقيقة مثل هذا الحل يطرح تساؤلات عدة:  كيف وصل مثل هذا إلى ما وصل إليه؟ وما نسبة من يحملون شهادات عليا في إدارات التعليم في المملكة ؟  و ما الخبرات والدورات التي حصلوا عليها ومن أين؟
إن تطوير التعليم يحتاج أولا إلى كل مخلص يخشى الله في أبنائه، وإلى كل فَذٍّ وهبه الله الذكاء والفطنة.  تطوير التعليم يحتاج إلى أكفاء مارسوا التعليم الميداني وزاولوه في مدارس الهجر والقرى والمدن بكل ما في التجربة من قسوة ومعاناة، تطوير التعليم يحتاج إلى من وقف في مطبخٍ حوَّلتهُ الوزارةُ إلى فصلٍ دراسيّ ليشرح درسًا عن حضارتنا في الأندلس!
تطوير التعليم يحتاج إلى من تصبَّبَ عرقًا في حجرةٍ تعتصرُ خمسين طالبًا تختلط فيها أنفاسهم، أما التنظير و ــ هرج السعة ـــ والحلول الخنفشارية فلن تزيده إلاّ خبالا.
إنك لن تبحر في سفينة بلا ربان ولو أنك قرأت كتب الملاحة كلها، كما أنك لن تبني قصرًا إن كان كل ما تحسنه هو رسم القصر في لوحة.




.

هناك 3 تعليقات:

  1. دهشه من بدايه حديثك الى نهايته

    لا اعلم ابن جارك الذي كاد ان يخسر حياته بقرار طفولي

    ام بطويل العمر الذي كان فعله اشبه بالاستغلال لهن

    دمت ودام ابن جارك بخير

    ردحذف
  2. التألق يكتمل بمرورك أستاذة مريم
    سعيد بك وبإطلالتك
    دمتي بصحة وعافية

    ردحذف
  3. حقيقة لم أفهم شيئا !
    ولكن شكرا على أثر الفراشة هذا.
    دمتي بخير

    ردحذف