أبو الأرانب
..
.
أذكر أننا في مرحلة الطفولة كنّا نتغنّى بأراجيز وأهازيج ساذجة لا تخلو من الغرابة والطرافة مثل قولنا أرنب نط !ولا أستغرب مثل هذا من أطفال كانوا يجهلون حتى حروف الهجاء فعلى قدر العقل يكون العلم .
وكنت أسأل نفسي لماذا اخترنا الأرنب بالذات ؟!
لِمَ لمْ نختر نشيداً عن الديك مثلاً أو الضب ؟! فنحن لم نعرف الأرانب إلا في مرحلة متقدمة من العمر .
حقيقة لم أجد جواباً – يقنعني – ويشفي غليلي حتى رأيت أبا الأرانب وسمعت منه وقرأت له !
أبو الأرانب هذا رجل مثل بقية الرجال ، مثلهم تماما في صفاته وملامحه وطريقة تصفيف شعره وعدد كروموسوماته لكنّه ينفرد عن جميع البشر بصفات لا تكون إلا إليه فهو يحضر في كل مكان ويُذهل كل من مر به أو سمع منه أو قرأ له ، فالثقافة عند بني البشر هي ) أن تعرف شيئاً عن كل شيء ( أمّا عند أبي الأرانب ) فهي أن تعرف كل شيء عن أي شيء ( !!
لذلك تجده يردد دائما ً وبفخر بأنه يعاني من آلام في ظهره سببها سريره القاسي و هو عبارة عن كتب قد صُفت صفا!
فبيته يغص بالكتب حتى إنه لا يجد موضعاً لقدمه فيه ، فكما يقول هو ) : عدد كتبي أكثر من عدد بلاطات بيتي ( !
جلست يوماً عنده فأردت أن أتجاذب معه أطراف الأحاديث فحدثته عن البلاد العربية وما حدث فيها وعن اليابان وما حلّ بها ، فرمقني بنظرة تحمل من السخرية والاستهزاء والازدراء الشيء الكثير .
قال بتعال ٍ : أيا جاهل أتخبرني بما أعرفه وأعرف حتى أسبابه ؟!
قلت في أدب : حاشا لله ، ما قلتُ ما سمعتَ إلا لأستزيد من علمك وأنير عقلي بمصباح معرفتك ، فاغفر لمثلي تجرؤه على مثلك .
قال : وتلك سقطة أخرى ! أفي الناس مثلي ؟!
ياليتك سكتَّ يا جاهل .
أخذ أبو الأرانب يمطرني بوابل من الشتائم ولا يحشم لسانه عن أي لفظةٍ تمر بخاطره فتركته حتى هدأ وسكت ثم قال : اسمع وتعلّم مني .
إنّ تقسيم السودان لم يكن لأسباب ٍ دينية ٍ ولا عرقية ٍ ولا لتدخل ٍ أجنبي ولا لتخاذل ٍ عربي ، إنّ ما حدث للسودان سحر و) عمل معمول له(
فتحت فمي بذهول فقال : أغلق فمك يا جاهل وتعلّم من أبي الأرانب مادام في العمر بقية .
السودان كان أكبر بلد عربي وكان يفتخر بهذا مما أثار حفيظة العرب فقرروا أن يعملوا له عملا فاستعانوا بالشياطين وكبار المشعوذين فقسّموا السودان قسمين وفرّقوا بين الجزأين كما يفرق السحر بين الزوجين وبات السودان صغيراً مسحورا ً منفصلا .
وكنت أعلم بأن السودان ستصيبه مصيبة يوما ما لأن أصل كلمة السودان مكونة من جزأين )سو) (دان( أي سوءٌ دانٍ بمعنى قريب .
أمّا ما حدث في اليابان فهو بسببك أنت وسبب أمثالك من العرب !
(ياعرب ياشر كفاية قر)
مشكلة العربي أن عينه تزهد بما في يده لتمتد لما في يد غيره فالذي قال) خبزه بناره وعينه لجاره( لم يقصد إلا أنتم .
اليابان بلد حضاري لا يملك نصف الثروات التي تملكونها أنتم العرب لكنه استغلها استغلالا صحيحا فتركتم ما في يدكم ولم تترك ألسنتكم اليابان حتى وقع لها ما وقع .
إنَّ دراساتي المتعمقة قد ساعدتني في تحليل ماجرى لليابان لقد تعرضت اليابان ) لعين ما صلت على النبي( تلك الكارثة ما هي إلا عين وعين عربية ولن تنهض اليابان من وقعتها ولن تتجاوز كارثتها كما تجاوزت من قبل كارثة القنبلتين النوويتين إلا إذا أخذت من أثر كل عربي وليتهم يبدؤون بك أنت .
أبو الأرانب – ياسادتي – يفهم في كل شيء ويعرف كل شيء ويحلل أيّ شيء حتى الدم والبول أعزكم الله !
أبو الأرانب قرأ كل كتاب ويقرأ كل الصحف بكل لغات أهل الأرض ، يقرأ أي شيء حتى الكف والطالع والفنجان !
أبو الأرانب يكتب كل شيء ولا يخطِئ في شيء ولا يُخطَّأ في شيء
أبو الأرانب يكسر القصيدة فتستقيم ويذبح اللغة من الوريد إلى الوريد فتحيا !
أبو الأرانب يطلق الرصاص على كل شيء جميل لا يفهمه أو صواب يُنكره !
عرفت بعد ذلك أنّ أبا الأرانب ليس شخصاً واحدا ً بل نسخاً رديئة مكررة تجدها في كل ما حولك ، في عملك وفي فصول الدراسة ، ومدرج القاعة ، في الصحف والإذاعات والمحطات ، في كل منبر علم وفي كل مساحة كتابة
حتى في المدونات!